عبدالرحمن ووالدته
وفاء .. حتى .. القبر
لم تكن الإعاقة يوماً سوى ابتلاء من الله سبحانه وتعالى لعباده المؤمنين كما قال جل في علاه:
(وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ) سورة محمد الآية [31]
وكثير من ذوي الإعاقة استطاعوا بإيمانهم .. وصبرهم .. ورضاهم .. أن يتكيفوا ويمارسوا أدوارهم ويعيشوا تفاصيل حياتهم .. بل ويبدعوا في ميادينهم .
وهناك قليل (جداً) من استسلم لتلك الإعاقة وجعلها معيقة له للسير في دروب الحياة
وهنا يبرز الدور المطلوب للمحيطين بتلك الفئة من خلال التفاعل معهم بشكل عادي يشعرهم بحقوقهم وواجباتهم ويتيح لهم البيئة المناسبة الحاضنة لقدراتهم .. مع مراعاة الظروف(الخاصة) .. في أضيق الحدود حتى لا تنقلب تلك المراعاة جانباً عاطفياً أو شفقة مبالغة أو محبطة للهم, ولعل المشكلة (أحياناً) تتفاقم عندما يشعر (ذو الإعاقة) بأنه عبء على أسرته أو مجتمعه .. وهناك الكثير من القصص والممارسات التي تجسد رغبة البعض في التخلص من ذلك العبء وبأي وسيلة معتقداً بأن الجهات المتخصصة (بديلاً) للحضن الأسري والتكافل المجتمعي ومتناسياً بأن تلك الجهات عوناً وسنداً في هذا الجانب,
قصة //
تكررت مشاهد رؤية ذلك الشاب بجانب حوش الغنم من قبل أحد مرتادي الطريق الذي اقترب منه ليتبين أنه من ذوي الإعاقة وأنه مربوط بحبل هناك ، ولكي لا يدخل في جدل قد لا يحمد عقباه مع ذويه فضل التوجه للجهة المختصة التي سارعت لمتابعة الحالة لتجد ترحيباً حاراً من ذويه بفكرة إيوائه لدى مركز خاص يقدم له العناية ويحفظ له كرامته كإنسان .. وفرحتهم كانت للتخلص من عبئه !!
وفي الجانب المضيء //
ميدان يرسم لوحات تتوهج نوراً .. وتتدفق عطاءً من خلال قصة جرت أحداثها في محافظة رياض الخبراء, عبدالرحمن و الدته’ فقد لازمته الإعاقة منذ ولادته ولكنه في بيئة واعية ..
أم حنون .. رؤوم .. وأب كريم .. معطاء .. وأخوات .. محبات .. فاضلات
حرصت أمه أن تكون المربية المتميزة والممرضة الماهرة والصديقة الحميمة .
لا تمل.. ولا تضجر .. تعطي بسخاء .. ولا تتوقف عن العطاء ..
تدفعها غريزة الأمومة الصادقة .. ويملأ قلبها الحب السامي .. ويعتمرها اليقين والرضا بما قسمه الله, رفضت في إباء وشمم أن يكون ابنها نزيل دور الرعاية المتخصصة أو المراكز المهنية لأنها تستشعر دورها كأم تقدم التضحيات في سخاء .. وترتقي الايثار في شموخ ..
راحتها وسعادتها عندما تكون بجانبه تؤانسه وتلاطفه وتلبي احتياجاته
فهي في بيت (مثالي) كل أفراده يتبنون ذلك المنهج في رباط أسري وثيق, مع زوج جعل مملكته الصغيرة قمة أولوياته, وبنات خصالهن البر والوفاء والأخلاق الفاضلة, تعرضت الأم الحنون لظروف صحية .. فأخفتها .. ومعاناة تحملتها .. لتبقى نهراً يتدفق بالحب للجميع
ولكن قلبها الطيب لم يحتمل آلامها ومعاناتها .. فشاءت إرادة المولى جل في علاه أن يتوقف عن الخفقان .. وهي توصي بـ(عبدالرحمن) وغادرت روحها جسدها الطاهر وهي مؤمنة صابرة راضية بقضاء الله وبقي أبنها كطائر بلا أجنحة ..تظلله أخته الكبرى بجناحيها وتغدق عليه مع أخواتها الحب والرعاية .. مع أبٍ كريم يوفر كل ما تحتاجه أسرته باذلاً الغالي والنفيس لراحتهم, ولكن عبدالرحمن مع كل ذلك شعر بغياب (نهر العطاء) وأدرك أنه كجنين يرتبط بتلك الحياة بحبل سري, فمرت به لحظات كتائه في الطريق, وشعر بصوت (الرؤوم) تناديه في قبرها, فاشتاق إلى الأم الغالية وكان قدر الله جل وعلا أن يلحق بها بعد أيام قليلة ليجتمع الوفاء تحت الثرى,
وتبقى الذكرى سطور قصة تستحق أن تروى
بقلم:
محمد بن نيف النيف
المدير التنفيذي لجمعية ذوي الإعاقة